من ذكريات الخطيب ,, يحكي في مذكراته
أقل نسبة لعبتها:
في موسم 81-82 لم أشترك سوى في مباراتين كاملتين فقط: أمام البلاستيك، وغزل دمياط
و 6 أشواط: أمام الزمالك، والمصري، والأوليمبي، والمنصورة، والاتحاد، وغزل دمياط
وهي أقل نسبة ألعبها في حياتي، فقد لعبت موسم 1975 م (22) مباراة
وفي موسم 1978لعبت (23) مباراة
وفي موسم 1979لعبت (22) مباراة بسبب الإصابات
ففي يوم التدريب السابق على المباراة شعرت بألم مبرح لا يحتمل في رجلي اليمنى، ومع التدليك والمساج تحملت، وسافرت إلى دمياط، كان متفقًا على أن ألعب الشوط الثاني، لكنني نزلت للتسخين، وفجأة وجدت نفسي عاجزًا عن الحركة، وفقدت الإحساس بساقي، ولم أشعر بها إلا ثقيلة، فانسحبت لغرفة خلع الملابس
ووضع لي طبيب النادي ثلجًا ومياهًا باردة ومخدرًا، وبدأت المباراة وبقي الطبيب معي داخل غرفة خلع الملابس، لا ندري شيئًا عن أحداث المباراة، وبين وقت وآخر نسأل عن النتيجة، حتى انتهى الشوط الأول صفر / صفر، وكان لابد أن ألعب في الشوط الثاني،
حيث كان زملائي يتفاءلون بوجودي، لم أرغب في إحباطهم، وتماسكت، وتظاهرت بالشجاعة، وخبأت آلامي، ولكني عندما نزلت الملعب لم أفلح في التحرك، وظللت أدور حول نفسي مستندًا على قدمي اليسرى فقط، حتى ظن الجميع أنني أصبت في المباراة
لكن حقيقة الأمر كانت ترجع ـ حسب رأي الأطباء ـ لإصابتي بانزلاق غضروفي منذ فترة؛ نتيجة قيامي بحركة مفاجئة، ولم أشعر بالإصابة في حينها فعادت وظهرت في دمياط من جديد..
وقتئذ كانت حالتي النفسية سيئة جدًّا، لأن الأطباء قرروا راحتي في السرير لمدة شهر تقريبًا مع حقن وجلسات كهربائية، وهذا شيء صعب؛ لأني أحب الكرة وأحب الحركة،
ولذا كانت أيامًا قاسية تلك التي قضيتها بعيدًا عن الكرة..
من اجل تقديمها لكم في صورة لائقه
[size=25]من ذكريات الخطيب ,, يحكي في مذكراته
محمود الخطيب يحقق فوز تاريخي ع الزمالك 7-1
حكاية مباراة اسمها محمود:
بعد انتقالي من نادي النصر إلى النادي الأهلي، وقبل اشتراكي في أول مباراة للناشئين تحت 17 سنة، سألني المدرب عن المكان الذي أفضل اللعب فيه أمام اللاعبين، ثم أخذني الكابتن مصطفى حسين إلى حجرة وأغلق عليّ بابها، وأخذ يحدثني عن الفرق بين الأهلي وجمهوره الكبير، وبين نادي النصر،
وأخذ يوجه لي نصائح حول الأسلوب المفروض أن أؤدي به المباراة، كنت أستمع إليه في صمت، وأحاول استيعاب كل كلمة يقولها، ثم فوجئت ببقية لاعبي الفريق ـ وقد أثارهم سؤال المدرب ـ يطرقون الباب في غضب، ويقولون للكابتن مصطفى حسين: إننا لا نريد أن يلعب الخطيب معنا، ولا أن يستمر أيضًا معنا، فنحن نكسب بدونه، كان واضحًا أن الطلب جماعي؛ لذلك قلت للكابتن مصطفى حسين بعد أن صرف اللاعبين،
وأخذ يهدئ خاطري ـ قلت له بصراحة: أنا لن أدخل النادي مرة أخرى، وبالفعل لزمت منزلي، كان هذا اليوم هو يوم الأربعاء، وكان موعد المباراة يوم الجمعة، ويوم الخميس فوجئت بالكابتن فتحي نصير، وأقنعني بالعودة إلى الفريق مرة أخرى، وفي الملعب حاولت أن أتقرب من اللاعبين، لكنهم قابلوني بروح مختلفة، ولم تبدأ الأمور في التحسن إلا مع تطورات المباراة التي فزنا بها 4-1
أحرزت أنا الأهداف الأربعة، بعد الهدف الأول لم يهنئني أحد، وبعد الهدف الثاني جرى نحوي لاعبان، ولما أحرزت الهدف الثالث صاروا أربعة، ثم ثمانية مع الهدف الرابع، وشيئًا فشيئًا توثقت علاقتي بزملائي، وبدأنا في تبادل الزيارات المنزلية وبدءوا يثقون بي، ويحملونني طلباتهم إلى المسئولين عن الفريق، باختصار بدءوا يعاملونني ككابتن حتى كان موقف آخر في نهاية أول موسم لي مع الأهلي، فقد كنا نستقل الأتوبيس في طريقنا للقاء فريق الزمالك، كانت عادتي المفضلة هي الجلوس في المقعد الأول للأتوبيس، وكان يجلس ورائي مباشرة لاعب آخر اسمه مصطفى عمر، وفجأة وصلت سيارة 128،
وسارت بجوار الأتوبيس وصاح صاحبها مناديًا الكابتن مصطفى حسين قائلا له: أنا قادم لألعب، وابتعدت السيارة من جديد، سببت هذه الكلمات همهمات بين اللاعبين في الأتوبيس، التفتُ خلفي؛ لأستطلع السبب، فوجدت اللاعب مصطفى عمر يبكي ويقول لي: يا كابتن، أنا لن ألعب؛ لأن اللاعب صاحب السيارة سيلعب ..
ولما كان ذلك اللاعب لم يؤدِّ معنا تدريبات الاستعداد للمباراة؛ قلت لمصطفى حسين: لا يمكن أن يلعب مَن لم يشاركنا تدريباتنا، وتحفزت، وفي حجرة خلع الملابس وجدت "اللاعب" يبدل ملابسه بالفعل، والمدرب يطلب من مصطفى عمر أن يعطيه فانلته معلنًا بذلك إدخال تغيير على صفوف الفريق؛ فذهبت للمدرب، وسألته: كيف يلعب وهو لم يتمرن معنا؟! وحاولت أن أجعله يعدل عن قراره؛ لكنه تمسك به؛ فخلعت فانلتي، وقلت له: أعطها له؛ ليلعب بها؛ لأنني لن ألعب إذا اشترك، وفي النهاية اقتنع المدرب،
وأشرك مصطفى عمر، وهو الأمر الذي جعلني أشعر بمسئولية خاصة خلال هذه المبارة؛ فبذلت مجهودًا خرافيًّا، تكلل في النهاية بفوز كبير بهدفين، أحرزت أولهما برأسي، وأحزر مصطفى عمر الهدف الثاني ... ولم تكن أهمية هذه المبارة بالنسبة لي في الفوز الذي تحقق، ولا في الأهداف التي أُحرزت بقدر ما كانت في الثقة الكبيرة التي تولدت في نفوس زملائي ناحيتي؛ بسبب وقفتي مع أحدهم، وبدأت مكانتي تتعزز بينهم ..
بعدها حضر "اللاعب" وانتظم في تدريبات الفريق، حتى كانت آخر مباراة لنا في دوري الناشئين أمام الزمالك الذي كان يحتل المركز الثاني في البطولة بعد فريقنا، وبعد عشر دقائق وأمام 40ألف متفرج احتسب الحكم ضربة ركنية للزمالك، تمكن لاعبوه من تسجيلها هدفًا ليتقدم الزمالك 1 / صفر، وعلى ملعبنا، شعرت في هذه اللحظات بأن الدنيا تنهار، فقد كانت المرة الأولى التي نلعب فيها أمام هذا الحشد الضخم من الجمهور..
لا أدري يومها كيف فزنا بالمبارة 7-1
أحرزت منها 3 أهداف،
وعادل يسري هدفًا،
وأذكر أن مصطفى يونس واللاعب محمود عبد الفتاح أحرز كل منهما هدفًا،
وقد حدث يومها موقف غريب جدًّا، لا يمكن أن أنساه، فقد كان والدي يشاهد هذه المباراة، وجلس بجواره أحد أفراد جمهور الأهلي في المدرجات، كان قد ترك زوجته في حالة وضع، وذهب لمشاهدة المباراة كما حكى وقتها، وكان قد وعد زوجته بأن يشتري لها نصف كيلو موز مقابل كل هدف يحرزه الأهلي،
وظل طيلة المباراة يعلن: نصف كيلو ـ كيلو ـ كيلو ونصف مع الهدف الثالث، و2 كيلو مع الرابع، ومع الهدف الخامس صرخ 2 كيلو ونصف، حرام عليكم، ليست معي نقود، كفاكم أهدافًا... كيف أفي بوعدي لزوجتي، حرام ... كان يقولها بصدق البسطاء، ومن أعماقه، وعندما عاد الرجل إلى بيته؛ وجد زوجته قد أنجبت له ولدًا؛ فأسماه محمودًا على اسمي، وقد قابلت هذا الرجل بعدها، وما زلت على علاقة ودٍّ به، والآن كبر ابنه، وكلما رأيته تذكرت هذه المباراة النادرة!!
كان ذلك في موسم 1971 وفزنا فيه ببطولة 18سنة، بعدها طلبني مدرب فريق 21سنة؛ لألعب معه مباراة البطولة، وكانت أيضًا ضد فريق الزمالك كان معي مصطفى يونس إلى جانب لاعبي 21سنة: زيزو ومصطفى عبده وصفوت وفتحي مبروك وسمير حسني، وعندما وصلت إلى الملعب؛
فوجئت بجمهور ضخم لم ألعب أمامه من قبل، كان حوالي 50 ألف متفرج، شعرت برهبة شديدة، وتغير لوني؛ فاستدعوا لي الطبيب، وحضر الكابتن صالح سليم، وكان المسئول عن الكرة في هذا الوقت، أعطاني الطبيب أقراصًا، فهدّأت من توتري، ولكن يبدو أنها كانت أقراصًا منومة وفعلا نمت بعض الوقت؛ ليوقظوني للتسخين، كنت في حالة نفسية سيئة،
ونزلت الملعب قبل أن أفيق تمامًا، لدرجة أنهم أعطوني قطعة من الثلج، دلكت بها وجهي ويدي؛ لأنتبه، لعبت المباراة في وعي غير كامل، وأضعت أكثر من 5 أهداف لا تضيع وانهزمنا، وتعرضت لانتقادات حادة لدرجة أن الجمهور
بعدها بأسبوع عندما شاهدني في تمرين الفريق الكبير؛ هتف ضدي، وشتمني بعض أفراده؛ فانهرت تمامًا، وقررت أن ألزم بيتي، وأبتعد تمامًا عن الكرة، وبالفعل تغيبت عن النادي فترة طويلة.. لم يسأل عني أحد من النادي.. على الرغم من أنني كل يوم كنت أتوقع أن يستدعيني أحد للنادي، لكن ذلك لم يحدث..
وبعد شهر ونصف شهر على هذا الحال فوجئت ذات صباح بالكابتن محمود الجوهري مساعد الفريق الأول حينذاك يزورني في بيتي، وطلب مني مرافقته فورًا إلى النادي بعد أن أبدى دهشته من موقفي، وأخبرني أنه كان خارج القاهرة في تلك الفترة، وعندما عاد وسأل عني أخبروه بانقطاعي عن النادي، وأخرجني بالفعل من حالة اليأس التي كنت أعيش فيها عندما قال لي: ستكون أحسن لاعب في مصر..
( وفااااء الخطيب )
هذه الفاضلة أمّي..
ذات يوم من أيام خريف سنة 1934 م كانت الفتاة الصغيرة التي لم تكمل بعد الرابعة عشرة من عمرها، قد تركت مدرستها في المنصورة، وعادت لتتزوج في كنف أعمامها بعد وفاة والدها بقرية قرقيرة مركز أجا.. كانت لا تعرف شيئًا عن عريسها الذي حضر في ذلك اليوم لعقد الزواج، فلم تكن قد شاهدته من قبل.. ولما حضر استطلعت أختها الأمر وأخبرتها في حجرتها، أنها تستطيع مشاهدته من شرّاعة الباب، حيث كان يجلس على كنبة وسط رجلين غريبين، لم تكذب الصبية خبرًا؛ وأحضرت مقعدًا، ووقفت عليه لترى العريس من شراعة الباب، في هذه الأثناء كان العريس قد قام وجلس مكانه رجل آخر كبير في السن وضخم الجثة، وبدا شكله غير متوقع لها تمامًا.. لذلك فقد صدمت صدمة شديدة لدرجة أنها ألقت بنفسها من فوق المقعد.. وبكت بكاء مُرًّا.. فقد كانت تدرك جيدًّا أنه لا مفر، وعبثًا حاولت النسوة أن يهدئن من روعها، لكنها لم تهدأ إلا حين شاهدت العريس بعدها بأيام، وتيقنت أنه ليس هو الشخص الذي شاهدته من قبل يتوسط الغريبين على الكنبة في مواجهة باب حجرتها، ومن يومها وهي تبدو راضية بقسمتها ونصيبها في هذه الدنيا.
ًوقد تأثرنا في الأسرة بذكرى زواج أمي التي ظلت محفورة في خيالها ـ مثل أي فتاة ـ وامتد بطبيعة الحال لزواجها من أبي يوم 11 نوفمبر سنة 1934م.. فعلى الرغم من أنها كانت أول عروس في البلد يتكون جهازها من حجرة نوم كاملة "دولاب وشوفنيرة وسرير وتسريحة"، حيث كان الجاري آنذاك هو دخول العروس بسرير وصندوق ـ كما كانت تحكي، ويحكي أبي ـ إلا أنها لم تحصل على نصيبها من سعادة العروس يوم زفافها؛ لأنها كانت ترى أن أعمامها لم يهتموا بزواجها مثلما اهتموا بزواج بناتهم.. وعلى الرغم من إدراكي أن هذا هو إحساس كل يتيمة يوم عرسها إلا أنني كنت دائمًا أكثر إحساسًا بأمي، وأعتقد أن ما رواه أبي لي عن هذا اليوم قد أثر فيّ كثيرًا.. فقد كان يقول دائمًا: إن قليلين من أهل البلد حضروا هذا الزفاف، وإن الحفل كان بسيطًا، رغم أن جدي ذبح خروفًا في ذلك اليوم!
كان زواجهما يوم الأحد والذي يوافق 11 نوفمبر سنة 1934م. والغريب أن يوم 11 نوفمبر هو نفسُه تاريخ وفاة أمي عام 1974م، وتحضرني كلمة قالها لي والدي، وهي: "أمك دخلت بيتي، ولم تخرج منه إلا إلى قبرها، أربعون عامًا بالتمام دون زيادة أو نقصان.. لم تترك أمك بيتها لحظة واحدة".
أما أبي فكان مولده في مايو سنة 1912م بقرية قرقيرة لأبٍ ـ هو جدي ـ ترك تعليمَه الأزهري لمساعدة أبيه ـ عمدة البلد ـ وهو جدي الكبير عبد الرازق الخطيب، والذي تَعُود جذوره إلى أصل سوري، يبدأ بالجد الأكبر، ويقال: إنه كان في وقت من الأوقات إمامًا وخطيبًا للمسجد الأموي، ومن ثم فقد لقب بالخطيب، وسميت العائلة باسمه، وهاجر أفرادها بعد ذلك إلى مصر والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية، وقد قابل والدي بعض أفراد هذه العائلة في مكة المكرمة في وقت قريب، وتعرف عليهم وزارهم.
وفي سنة 1941م انتقل أبي بأسرتي الصغيرة إلى القاهرة للعمل رئيسًا لحسابات شركة تصدير الفاكهة التي كان يملكها عبد الحميد باشا أباظة والد إسماعيل باشا، الذي أحب والدي بسبب أمانته لدرجة أنه عندما كان يحتضر في البرلمان في أغسطس سنة 1944م كان ينادي: الخطيب.. الخطيب.. ولما اتصل محمد الباسل بمكتب الشركة بعمارة مظلوم؛ سأل عن شخص اسمه الخطيب، وطلب منه الحضور فورًا فذهب، لكن الرجل كان قد قابل ربه؛ فتولى أبي عمل الإجراءات، واتصل بأبناء الرجل في مصايفهم، وعندما حضروا سلمهم ألفي جنيه، كان الرجل قد طلب منه توصيلها للمطار؛ لتصل للملك عبد الله جد الملك حسين الذي كان عبد الحميد باشا وكيلا له ومشرفًا على وقفه الذي بلغت مساحته آنذاك ألفي فدان بكفر عبد الخالق بالمنيا.
كان والدي يسكن منذ أن جاء للقاهرة في شقة بسيطة ونظيفة مكونة من ثلاث حجرات وصالتين ومطبخ ودورة مياه في شارع محمد علي أمام الكتب خانة "دار الكتب المصرية"، وكان إيجارها الشهري 120قرشًا، ولما جاء عام 1946م كان والدي قد أنجب الابنة السادسة؛ وأخذ يسعى إلى تراب الميري.. فذهب إلى أحد معارفه ويُدعى جلال باشا فهيم ـ وكان وكيلا لوزارة الأوقاف وقتها، والذي ارتبط اسمُه بالقضاء على البِغَاء (الدعارة) في مصر عندما عين وزيرًا للشئون الاجتماعية ـ وطلب العمل فوافق الرجل على تعيينه في وظيفة كاتب حسابات الديوان العام في منتصف يونيو من ذلك العام، ولم يكد يمر شهر على ذلك حتى انتدب والدي للعمل في مجلس الدولة الذي كان مستحدثًا في ذلك الوقت، وكان عبد الرازق السنهوري باشا رئيسًا له، ودارت الدائرة من جديد ليجد أبي نفسه يعمل مع المرحوم وصفي باشا أباظة نائب رئيس مجلس الدولة آنذاك وهو أحد أبناء عبد الحميد باشا أباظة، واستمر ذلك حتى عام 1952حيث اختلف والدي مع محمد زكي عبد المتعال زوج السيدة عائشة فهمي، إحدى علامات النهضة النسائية في مصر، والذي كان مختصًا في مجلس الدولة بشئون مجلس الوزراء ووزارتي الزراعة والتموين، فأنهى الأخير انتداب والدي لمجلس الدولة، وأعاده لحسابات وزارة الأوقاف؛ ليظل بها ويعود مرة أخرى لمجلس الدولة عام 1954م وهو العام الذي ولدت فيه. خلال هذه الفترة كان أبي قد أنجب عام 1947م ولده الأول أخي وحيد والثاني أحمد عام 49ثم ماجدة الشقيقة التاسعة عام 1952م مع الثورة.
وكانت الأسرة قد انتقلت إلى مسكنها الجديد بشارع الخليفة، وهو المسكن الذي ولدت فيه، واضطررنا بعد ذلك إلى تركه سنة 1961م على الرغم من أن والدي كان ولا يزال يحب الحلمية ويحن إليها؛ لأنه كان يعود من عمله ليجد الشارع المجاور للمنزل مزدحمًا بالناس، وكان يجدني ألعب الكرة مع أولاد أكبر مني، ولأنه كان لا يحب الكرة؛ فقد كان يناديني من وسطهم لأخرج في سكون دون أن أتكلم أو أعترض ... حاول والدي كثيرًا منعي من اللعب، لكننا فشلنا أنا وهو ... ولما تأكد من ذلك؛ حاول أكثر من مرة إرهاب الأولاد الآخرين الذين كانوا يشركونني معهم، لكنهم لم يرتدعوا، كان والدي في ذلك الوقت تحديدًا لا يريدنا أن نختلط بأحد، أو نعرف أحدًا أو حتى يعرفنا أحد، كان يريدنا أن نعيش في حالنا، داخل بيتنا، نكفي خيرنا شرنا لتسير مركبنا بسلام ... وقد بدأ بنفسه كنموذج لنا، فالبيت عنده بيت، والعمل عمل، وكانت أمي تحترم ذلك، ولا تزور أحدًا أو يزورها أحد، وكانت علاقتنا بالجيران كما أراد أبي: "السلام عليك يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي"، لكن على الرغم من ذلك لا يبدو أن هذا الزمان كان يترك أحدًا على حاله.
زائر غريب: فقد جاء زائر غريب لوالدي، بيد أنه هدده.. بماذا ؟ لا أعرف، فقط أعرف أن والدي لا يحب أن يذكر قصة هذا الحادث، ولا يشير إليه إلا إشارات غامضة، كان يقول مثلا: إن هذا الزائر طلب منه أن يتجنب الطريق الفلاني، وأن يسلك الطريق الفلاني، لكنني فهمت فيما بعد أن هذا الزائر الغريب كان أحد عناصر أجهزة أمن الدولة حينئذ، والتي كانت في مواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين وسياسيي ما قبل الثورة، وأن زيارته لنا كانت بسبب جيرتنا للوفدي القديم سيف الغزالي ـ كما ذكرت ـ
ولما لم يكن لأي فرد من أفراد أسرتنا علاقة من قريب أو بعيد بهذه المواجهة ولا بأي أمر من أمور السياسة؛ فلم يتعقد الأمر كثيرًا إذ سرعان ما انتقلنا بعد ذلك كما يحب والدي دائمًا أن يقول بسبب الكرة بعيدًا عن الحلمية إلى منطقة جديدة، وبالتحديد إلى المنزل الذي تقيم به الأسرة حتى الآن في عين شمس أقصى شرق القاهرة، وبالتحديد إلى المنزل رقم 11 شارع شرق الشريط ... كان المنزل آنذاك يسكن الفراغ وخضرة الأرض الزراعية، وكان خط السكة الحديد الموصل من كوبري الليمون حتى المرج يفصله عن أرض الأوقاف المقام عليها الآن مبنى المخابرات، كان المنزل عندما شاهده والدي أول مرة ـ ملفوفًا بلافتة قماشية مكتوب عليها "للإيجار وحدة واحدة"، قابل والدي صاحبه؛ وطلب منه تأجير شقة واحدة فقط فرفض، ولما سأله عن الإيجار المطلوب قال له صاحب المنزل 33 جنيها، وكان المنزل مكونًا من 6 شقق سكنية.
واختار والدي ثلاثة سكان بعد أن قرر استئجار المنزل: الأول اسمه زكي يونان، والثاني اسمه يوسف إسطفانوس، والثالث عالم في الأزهر اسمه الشيخ عبد الحليم، بَيْدَ أنه قد قرر عمل وحدة وطنية، وخصص الشقق الثلاث الباقية لنا ولاثنتين من شقيقاتي البنات وأزواجهن.
ملعب خاص جدًّا: أذكر أنني حولت سطح ذلك المنزل إلى ملعب خاص للكرة الشراب، كنت أصعد لألعب فيه بشكل يومي، وذات مرة اصطدمت قدمي بأحد الأعمدة الخرسانية؛ ليندفع منها الدم بغزارة شديدة، رحت في غيبوبة؛ فنقلوني إلى المستشفى، وأفقت بعد خياطة الجرح العميق الذي يبلغ طوله (9 سنتيمترات)، ولا تزال آثاره باقية في قدمي اليمنى حتى الآن.
في هذه الفترة انتقلت إلى الصف الثاني بمدرسة محمود خاطر الابتدائية، بعد أن تركت أصدقاء الصف الأول بمدرسة علي مبارك الابتدائية في الحلمية، ولا يزال إحساسي بدخول مدرسة محمود خاطر يعيش بداخلي .. وتستحضره بعض المواقف إلى السطح، ويذكرني بالفترة الأولى لالتحاقي بالنادي الأهلي. :فقد كنت غريبًا على تلاميذ الفصل، لم يكن لي بينهم أصدقاء، شعرت بعزلة لوقت ما، ولكن مع مرور الأيام بدأت الجفوة تزول من خلال لغة تعامل فريدة هي الكرة ... إذ سرعان ما جمعتني ملاعب المدرسة بهؤلاء الزملاء الجدد ... وبدأ تفوقي في لعب الكرة يعزز مكانتي بينهم، ويزيل عدم القبول الذي استشعرته في البداية، وأصابني بحزن صامت. فرصة من ذهب:
ثم جاءتني أول فرصة ذهبية في حياتي وأنا في الصف الثالث عندما كان فريق مدرستي يلعب مع فريق عزبة النخل، وذهبت بمرافقة أختي ماجدة التي كانت معي بالصف الخامس في المدرسة نفسها 3-1 أن تحايلت عليها، ورجوتها كثيرًا وما إن بدأت المباراة حتى كان فريق المدرسة قد انهزم 1-3 وتعرض أحد أفراده فجأة للإصابة، شاهدت مدرس الألعاب ينظر حوله ... ففهمت ماذا يدور في تفكيره، وذهبت إليه مباشرة، وقلبي يدق ويقفز في صدري ـ فقد كان يبحث عن بديل.. قلت له: يا أستاذ، "أنا بعرف ألعب" ، لم أكد أنهي كلامي حتى قال لي: انزل، وفي الحال ألقيت بحقيبتي وحذائي لأختي واشتركت .. وفور حدوث ذلك انقلبت دفة المبارة، واستحوذت على الكرة معظم الوقت، ونجحت في تسجيل (3 أهداف) لنفوز بالمبارة 4/3 ، وما إن انتهت المباراة حتى تعرضت لهجوم غاشم من أفراد جمهور عزبة النخل، وجرى بعضهم ورائي، وعندما حاولت أختي حمايتي؛ تعرضت لبعض الأذى بسببي، وكاد بعضهم يلقي بنا في ترعة هناك كنا نجري هربًا على شاطئها..
وفي اليوم التالي كان ناظر المدرسة يعلن في طابور الصباح أن التلميذ محمود إبراهيم الخطيب هو كابتن فريق الكرة بالمدرسة، وفي هذه اللحظة بالذات بدأ إحساس جديد يغزو حياتي ... وما زالت أحداث وتفاصيل هذا الطابور الصباحي تعيش بداخلي حتى الآن حية نابضة، رغم مرور هذه السنوات الطويلة، وظل طابور الاصطفاف للسلام الجمهوري الذي كنا نقفه عند بداية المباريات الدولية تتداخل صوره القريبة في ذهني مع صورة ذلك الطابور الصباحي البعيد ...
منذ ذلك التاريخ تعودت على الاستيقاظ المبكر للحاق بهذا الطابور وغناء نشيد الله أكبر، وبلادي بلادي لك حبي وفؤادي مع الجميع ... وإلى هذه الجذور البعيدة؛ يرجع تأثري الشديد وحساسيتي الزائدة خلال مواقف التمثيل الكروية الوطنية، والتمثيل الكروي لمصر في المباريات الدولية، ولا أذيع سرًّا إذا قلت: إنني بسبب هذا التأثر الشديد؛ لم أستطع طيلة عمري في الملاعب إكمال النشيد الوطني المصاحب للحن السلام الجمهوري مع الجماهير ولا مرة واحدة دون أن أجهش بالبكاء، وإنني دائمًا كنت أستشعر الاطمئنان مع سماع هذا النشيد الوطني لأنه يمثل حافزًا على البذل والتضحية، أراه أكبر من كل تصور.
مدرسة اسمها فلسطين: مضت بي الأيام حتى وصلت للسنة الخامسة الابتدائية، وسعدت جدًّا عندما انتقلت خلالها من مدرسة محمود خاطر إلى مدرسة فلسطين لظروف خاصة، كان منها أن الشيخ عبد الحليم ناظر المدرسة كان يسكن معنا في المنزل نفسه، والسبب الثاني هو أنني كنت معجبًا ذلك الإعجاب الرومانسي باسم فلسطين التي كنا نحفظ عنها الأشعار، وكنا في هذه الفترة نتربى على الإحساس بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وكنت متعاطفًا بشدة مع الأطفال الفلسطينيين الذين أخرجوا من وطنهم؛ ليعيشوا في غربة بلا وطن .. وكنت أشعر بين زملائي بأنني مميز بإحساسي بمشكلة فلسطين من ناحية، وبسبب إجادتي للعب الكرة من ناحية أخرى .. وأعتقد أن ذلك هو الذي أهلني للاختيار كمسئول توزيع الغذاء المدرسي على تلاميذ الفصل، فقد كانوا يوزعون علينا آنذاك فطائر وجبنًا مطبوخًا كان لذيذ الطعم .. وقد تصور بعض أصدقائي أنني سأميزهم، وأوزع عليهم أكثر من نصيبهم، لكنني رفضت ذلك، وأعتقد أنني حاولت قدر الإمكان ألا أظلم أحدًا وأن أعطي لكل ذي حق حقه، على الرغم من أن ثمن ذلك كان في بعض الأحيان هو غضب بعض أصدقائي مني.
الكاسح والظافر: كان شقيقي الأكبر وحيد في الإعدادية عندما انتقلنا إلى عين شمس، وبدأ فور مجيئه في تكوين فريق كرة خاص به، كان هناك فريقان كبيران في ذلك الوقت هما الكاسح والظافر، وكان ما بينهما في عين شمس هو ما بين الأهلي والزمالك منافسة شديدة وساخنة، كانا يضمان مجموعة من اللاعبين النادرين والممتازين، ولعب لهما كل نجوم عين شمس، وكنت معجبًا بما يقرب من (6 لاعبين) في صفوفهما إعجابًا شديدًا، لا أريد أن أذكر أسماءهم حتى لا يغضب الآخرون، كانوا في تصوري أفضل بكثير من لاعبين كبار في أندية القمة آنذاك ... وقد لحقت بصفوف الكاسح والظافر في آخر أيامهما، ولا أذكر أن فرقًا كبيرة قابلت الكاسح والظافر وفازت في عين شمس، وأذكر من اللاعبين المشهورين الذين شاهدتهم هناك مصطفى عبد الغالي، وعوضين، ومحمدين ... كنت صغيرًا عندما شاهدتهم، يو