رحمة بأنديتنا ... ولا تحيلوها من وطنيّة رياضية إلى ماديّة تجارية

عدد المساهمات : 136 تاريخ التسجيل : 18/06/2011

رحمة بأنديتنا ... ولا تحيلوها من وطنيّة رياضية إلى ماديّة تجارية

من مظاهر حضارة المجتمعات وتقدمها وتطورها فاعلية وفعالية مؤسساتها المدنية ،باعتبار أن مؤسسات المجتمع المدني رافعة التّغيير والتنمية للأمّة ،ولا يجادل احد أن الأندية الرياضية تمثل ركيزة أساسية من منظومة المؤسسات المدني بل إن أهميتها تزداد باضطراد لتزايد المهتمين بها وإقبالهم الشديد على الرياضة سواء لاعبين أو جمهور .ولكنّ الأندية الرياضية اليوم تصاب بحمّى العولمة وحاكميّة المال كسائر قطاعات ومجالات الحياة ، حيث لم تترك العولمة مجالا أو قطاعا ألا أصابته بدائها أو تكاد ،وهو ما نخشى على أنديتنا الوطنية من هذا المرض العضال ،فهذه الأندية التي تأسّسست على هوية وطنية وعملت برسالة تحررية وبنائية وساهمت أيما مساهمة في نضالات وجهاد الاستقلال لبلادها، وما زالت تساهم في رفد مجتمعاتها بالقياديين والرّياديين وتوجيه الشباب نحو الايجابية في كافّّة الأصعدة ، نخشى على هذه الأندية من سلطان وطغيان المال واحتياجاته جرّاء الأنظمة الاحترافية الجديدة ومعاييرها المستندة على المال أساسا،مما قد يخرجها من دورها الوطني الكبير وتدخلها في متاهات المال والأعمال وتحيلها من مؤسسة وطنية رياضية إلى مجرد شركة مالية يحرّكها المال والمال فقط .
فأنديتنا تاريخها شاهد عليها ويؤرّخ لها كل عربي من كل مدينة وقطر ،ودورها في التنمية المجتمعية يزداد يوما بعد يوم مما يجعل الدعوة للحفاظ عليها وعلى هويّتها مفتوحة للجميع وهمّا يطالنا جميعا .إن سعي اتّحاداتنا العربية لكرة القدم الحثيث نحو تطبيق مواصفات الاحتراف الدوليّة له كل الاحترام ،وهو جهد مشكور وذو نفع مأمول شريطة عدم الخروج عن ثوابتنا والإغراق في تحقيق مواصفات مجرّدة ودون الأخذ بيد هذه الأندية ومساعدتها للتأقلم مع عالم الاحتراف الجديد ودون التخلّي عن أهدافها ورسالتها ،فتوغّل المال وطغيان المادية في التعامل مع الأندية قد يجعلها في تربة غير تربتها أو تسقى بما يقتلها ظنّا انه سوف يحييها ويسيّرها ،فليس الذهب اصفرا كان أم اسودا مسيّرا دائما ،وليس هو طاقة الحياة وإكسيرها ،فما قد يكون وقودا ومسيّرا لأمر ما قد يكون لآخر حارقا ومعطّلا ومدمّرا .
إنّ الاتحادات الكروية وخاصة كرة القدم مطالبين بوضع صيغ وحلول توافقية بين الالتزام بالعالمية والوطنية وعليهم الأخذ بيد الأندية التي غالبا رصيدها في القلوب والمدرّجات وليس في البنوك .وان ما ندعوا إليه ليس بحال دعوة إلى الوراء وان كان مطلوب من الاتحادات النظرة إلى الوراء وقراءة الواقع لنتمكّن من استشراف المستقبل فيكون حينها امتدادا طبيعيا لهما .
مكسبنا في الحفاظ على هويّة أنديتنا اكبر بكثير من أي مكسب تنافسي عالمي ،وخاصة أن النتائج قد لا تكون شافية للغليل ،فهل في الإمكان تحقيق اختراق لهذا النظام الاحترافي المادي العولميّ ،وهل من الممكن تحقيق نموذج عربيّ رائد يكون وطني المبدأ وعالمي الأداء يحفظ أنديتنا ولا يرميها في أحضان المال والأعمال ،فالمال هويته ملوّنة بلون المنفعة وقبلته مزيدا من المال والمال ...
أما الأندية فهي مدعوّة أيضا لتفكير إبداعي خلّاق للبحث عن حلول مادية مستعينة بشركات ورجالات وطنية الأداء والانتماء وعلى هؤلاء الوطنيين أن يكونوا سندا وداعما لهذه الأندية ،كما أن الجمهور والاستثمار في عقوله كنزا دفينا علينا استثماره ،وان لم نجد ما نصبوا إليه وعزّت علينا الحلول ولات حين مناص ،فليكن حينها الخلاص بالحفاظ على أنديتنا وعلى هويّتها وانتمائها ورسالتها فهو خير ألف مرة من منافسة عولميّة ماديّة وخير من تيه في أجواء المال وسرابه ،فذكريات الزمن الجميل لرياضة خالية من سموم المال تنعش الأمل وتحيي الهمّة للعمل على إعادته.
بقلم طارق الجعبري