دولة المؤسسات .. لا تحكمها المظاهرات

عدد المساهمات : 136 تاريخ التسجيل : 18/06/2011

لدول الكبيرة لا تحكمها مظاهرات الشواع. أيا كان حجمها. ولكن يحكمها دستورها وقوانينها ومؤسساتها الشرعية.
في الشهر الماضي. خرج مئات الآلاف من الشباب الفرنسي إلي شوارع العاصمة باريس والمدن الكبري. يرفضون مشروع قانون مد سن التقاعد من 65 إلي 67 سنة. الذي قدمه الرئيس ساركوزي للبرلمان. لانه ــ من وجهة نظرهم ــ يحجب فرص العمل والترقي عن الشباب.
خرجت مظاهراتهم. التي تابعناها علي شاشات التليفزيون في نشرات الأخبار هنا في مصر. ومشروع القانون معروض علي مجلس الشيوخ لمناقشته.. فأقره مجلس الشيوخ.
واستمرت مظاهراتهم والمشروع معروض علي الجمعية الوطنية "البرلمان".. فأقره البرلمان.
وتواصلت مظاهراتهم. بل وتضاعفت. والقانون معروض علي الرئيس ساركوزي للتصديق عليه واصداره. علي أمل ألا يفعل الرئيس ذلك.. فقام الرئيس بتوقيعه وصدر القانون.
وفرنسا بلد الثورة. ودولة الحرية والإخاء والمساواة. واحدي الديمقراطيات الكبري في عالمنا.
لكنها في نفس الوقت بلد النظام. ودولة المؤسسات والقانون. التي لا تسمح للشارع بأن يفرض رأيه علي السلطة الشرعية التي لها وحدها حق تقدير مصلحة الشعب وتتحمل مسئولية رعايتها.
إرادة شعب
وقد أثبت الرئيس. في خطابه مساء الثلاثاء ــ أول أمس ــ كما أثبت في كل المواقف من قبل. أنه زعيم يعرف قدر بلاده. ويحترم ارادة شعبه. ويصون الأمانة التي حمله الشعب إياها.
ان الرئيس مبارك لم يصل للسلطة أو يستمد شرعيته بمظاهرة. حتي يترك السلطة أو تسقط شرعيته فيها بمظاهرة. أيا كان حجمها.. ألفية أو مليونية.
الرئيس جاء للسلطة عبر انتخابات دستورية تعددية تنافسية. فوضه الناخبون خلالها بأن يتولي أمور البلاد خلال فترة ولاية تمتد 6 سنوات.
ولا يحسم استمرار الرئيس في موقعه. أو شرعيته فيه إلا الناخبون. إذا أعاد ترشيح نفسه لولاية جديدة. أو قرار منه بعدم الترشيح عند انتهاء ولايته الحالية. وهو ما اتخذه الرئيس بالفعل وأعلنه في خطابه للشعب.
لقد أقسم الرئيس علي احترام الدستور والقانون. وعلي حماية أمن الوطن وسلامته. وقد قرر أن يبر بقسمه حتي نهاية ولايته. وهذه مسئوليته أمام الله وأمام 85 مليون مصري. لا يثنيه عنها معارضون مهما بلغ عددهم. من خلال احتلالهم الشوارع والميادين.
نتائج دولة الشارع
إن مبارك بهذا القرار. لا يحمي نفسه. لكنه يحمي مصر التي وضع رأسه علي كفه في سبيلها عبر ستين عاما من الخدمة الوطنية. في صفوف القوات المسلحة وفي قيادة مصر. وكان مستعدا في كل وقت للتضحية بنفسه من أجلها.
ولعل تجربة الأيام الماضية. من الثلاثاء 25 يناير حتي اليوم هي أكبر دليل عملي علي الفارق الهائل بين حكم المؤسسات.. وحكم الشارع.
مع مبارك. وحكم المؤسسات. عاشت مصر وشعبها ثلاثين سنة من الأمن والأمان والاستقرار.
ومع قوي الشارع ومظاهراتها عشنا عشرة أيام من السلب والنهب والترويع.
مع مبارك وحكم المؤسسات. كانت عجلة الانتاج تدور.. والاقتصاد ينمو وحرية التعبير تتسع.
ومع قوي الشارع ومظاهراتها. توقفت عجلة الانتاج.. وتعرض الاقتصاد للشلل.. وتحولت حرية التعبير إلي حرية التخريب والتدمير.
لقد قدر البنك الدولي في أحدث تقاريره خسائر مصر المحققة من جراء الأحداث الأخيرة. والمتوقعة من تداعياتها. بمبلغ 40 مليار دولار. نتيجة توقف حركة السياحة. وهروب الاستثمارات. ووقف تحويل الأموال من وإلي مصر.
هذا المبلغ يعادل بالجنيه المصري 132 مليارا. أي أكثر من ضعف الدعم المقرر لكل الشعب في موازنة الدولة الحالية. والذي لا تزيد مخصصاته علي 103 مليارات جنيه.
وإذا كانت قوي الشارع قد فعلت ذلك بالشعب في وجود مبارك.. فماذا نتوقع ان تفعل بالشعب لو رحل مبارك. دون ترتيبات تحقق الانتقال السلمي والآمن للسلطة. من خلال المؤسسات الدستورية؟!
سابقة خطيرة
ثم إن الاستسلام لمطالبة البعض للرئيس بالتخلي عن السلطة. لو تم. يؤسس لسابقة خطيرة مدمرة في الحياة السياسية والمدنية المصرية. سوف يكون قادة الأحزاب والقوي السياسية التي تتبني هذا المطلب هم أول ضحاياها.
إن ترك القرار في يد مظاهرات الشوارع لتقرير مصير أعلي سلطة في البلاد يرسي هذه القاعدة بالنسبة لأي سلطة أدني في المستقبل.
ولا يوجد رئيس حزب أو حركة سياسية في مصر بلا منافسين ينازعونه شرعية وجوده.
وما أسهل علي كل منافس منهم أن يقتدي بهذه السابقة. ويقود مظاهرة في أنصاره يحتل بها مقر الحزب أو الحركة. أو الشارع الذي يقع فيه المقر. ويعلن أنه لن يغادر مكانه إلا برحيل هذا الرئيس.
وتلك هي الفوضي بعينها.. وذلك إنهاء إلي الأبد لحكم المؤسسات.
وقد يكون شباب المتظاهرين حسني النوايا .. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لمن يقودونهم.
ثم إن الطريق إلي جهنم ــ كما تقول الأمثال ــ مفروش بالنوايا الطيبة.
ولذلك. فإن هناك أسئلة عديدة يجب أن يطرحها هؤلاء المطالبون باسقاط النظام ورحيل الرئيس ــ رغم استجابته لكافة مطالبهم ــ علي أنفسهم. أو نطرحها نحن عليهم. وأن نستمع لإجاباتهم عنها وردودهم عليها.
أسئلة للمتظاهرين وقياداتهم
* السؤال الأول يتعلق بالتفو وهو:
ــ من الذي فوضهم بالتحدث باسم 85 مليون مواطن. أو اعتبار مطلبهم هذا مطلبا شعبيا؟!
ان قادة الأحزاب والحركات السياسية في هذه المظاهرات. الذين يجتمعون ليفرضوا شروطا مسبقة علي نظام شرعي. وليتفقوا علي من يفوضونه للتحدث باسمهم. وتشكيل حكومة انتقالية. هم أنفسهم لا يملكون تفويضا من الشعب.. بل ويستمدون شرعية وجودهم ووجود أحزابهم. من ذات النظام الذي يسعون لإسقاطه.
إن الشرعية لا تتجزأ.. والنظام السياسي ليس حسني مبارك وحده. ولا الحزب الوطني. ولا مجلس الشعب ومجلس الشوري.. بل هو أيضا كافة الأحزاب السياسية القائمة.
وإذا سقطت الشرعية.. فستسقط عن الجميع.
كلهم خير منكم
* السؤال الثاني يتعلق باستمرار وجود المظاهرات وهو:
ــ من الذي ينتج ليوفر لهؤلاء المتظاهرين ولعائلاتهم مستلزمات معيشتهم؟! ومن الذي يسهر علي أمنهم وأمانهم؟!
لعلنا نستعيد في ذلك قصة أولئك النفر من المسلمين الذين جاءوا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم يسألونه الرأي في صاحب لهم.. ويقولون: إن فلانا يصوم النهار ويقوم الليل ويعتزل النساء.
لم يسألهم الرسول الكريم عن أصل صاحبهم هذا أو فصله. وإنما سألهم سؤالا واحدا قال:
ــ أيكم يكفيه طعامه وشرابه؟! أي. من منكم يوفر لهذا المتفرغ للعبادة احتياجاته وينفق عليه.
قالوا: كلنا يارسول الله.
فقال عليه الصلاة والسلام: كلكم خير منه.
أي أن الرسول عليه الصلاة والسلام. الذي لا ينطق عن الهوي قد جعل الأفضلية في الدنيا والآخرة لمن يعمل ويكسب رزقه. ويخدم غيره. وليس لمن يترك عمله وخدمة غيره ولو كان للتفرغ للعبادة.
فما بالنا بهؤلاء الذين تركوا أعمالهم. ليس حتي للتفرغ لله. بل للتفرغ للعصيان المدني. وقطع شرايين الحياة عن الآخرين. إضرارا بمصالح البلاد والعباد؟!
وأي خير يمكن أن نرجوه من أولئك لو سلمناهم مقاليدنا. ووضعنا في أيديهم مصائرنا؟!
إنهم.. أي هؤلاء المصرون علي استمرار مظاهراتهم.. لا يعلمون. ولا يدعون غيرهم يعمل.. يطالبون ولا يتركون فرصة لأحد لتحقيق مطالبهم.. بل علي العكس. يخلقون بموقفهم مناخا يقضي علي أي فرصة أمام أي حكومة قائمة أو قادمة لتوفير مطالبهم.
لماذا لا يريدون مبارك
* السؤال الثالث يتعلق بـ "الهوية الحقيقية" لمن يقودون تلك المظاهرات. ويطالبون حسني مبارك بالرحيل.
لقد قلت في مقال الأسبوع الماضي عن مظاهرات الثلاثاء 25 يناير الذي وافق يوم عيد الشرطة إن اختيار هذا اليوم لتلك المظاهرات ليس اختيارا مصريا ولا وطنيا. ولا يحترم القيم المشتركة من الحب والتسامح واحترام الآخرين. التي تربينا عليها.
وأكرر القول نفسه عن استهداف حسني مبارك الرمز.. والزعيم.
الذين لا يريدون حسني مبارك هم:
1 ــ الذين مازالت ذكريات حرب أكتوبر المجيدة. وانتصار مصر فيها تؤرقهم وتقض مضاجعهم. ويسعون لإسقاط كل رموزها.. اغتالوا السادات الذي اتخذ قرارها.. ويسعون لإسقاط مبارك. آخر الزعماء المصريين من قادتها وأبطالها. إنهم يريدون محو أي ذكري جميلة لمن قادوا هذه الحرب وحققوا فيها النصر.
2 ــ الذين لا يريدون رجلا حافظ علي تراب مصر وسيادتها مطهرا من دنس أي احتلال أو هيمنة أجنبية لأطول فترة زمنية عرفها المصريون علي مدي ما يزيد علي قرن وربع القرن من تاريخهم.
3 ــ الذين لا يريدون رجلا امتنع علي مدي 30 سنة من حكمه. عن زيارة إسرائيل. متمسكا بموقفه هذا. ومتحديا كل الضغوط الدولية التي حاول اصحابها اثناءه عن هذا الموقف.
لا أريد الاسترسال في تسجيل المزيد.. فهذا يكفي للكشف عن هوية من يطالبون برحيل مبارك. ونوعية الأجندات التي يخدمونها. من خلال الكشف عن هوية مبارك نفسه.
بل إن هذا يكفي للكشف ايضا عن هوية البديل أو البدلاء الذين يجري اعدادهم من جانب هذه القوي لخلافته.
سنحمي بلدنا ونظامنا
إن مصر. في النهاية. هي المستهدفة.
هي "الجائزة الكبري" التي ينتظرها المتربصون بها من سنين طويلة.
وليس مصريا ولا وطنيا كل من يأتي فعلا يساعد هؤلاء المتربصين علي بلوغ هدفهم.
سواء باستمرار التظاهر في الشوارع وفرض الشلل علي حياة المصريين وأرزاقهم.
أو برفع مطالب ضد الشرعية الدستورية يخل تنفيذها بأمن وسلامة البلاد.
إن مبارك موجود في موقعه باسم 85 مليون مصري. ولحمايتهم. ويجب أن يظل في موقعه حتي نهاية فترة ولايته. وإنهاء ترتيبات الانتقال السلمي للسلطة إلي من يختاره هؤلاء الـ 85 مليون مصري.
والذين يصرون علي رحيله. يدخلون انفسهم والشباب الذي يقودونه أو يضللونه نفقا مظلما.
وأي خطـــوة جــــديدة مــــن جانبهم لتنفيذ مخططهم. هــــي انقلاب علي السلطة الشرعية. حتي لو تمت من خلال مظاهرات شعبية. ويجب أن تواجه بكل حسم ليس من جانب مؤسسات الدولة فقط.. بل من جانبنا نحن الـ 85 مليون مصري.. فهذا بلدنا. ونحن مطالبون اليوم بحمايته. وعدم السماح بتخريبه وإهدار منجزاته.
ولا سبيل إلي ذلك إلا بالخطوات التالية:
1 ــ أن يعود كل مصري وطني حقيقي إلي موقعه.. في عمله أو دراسته.. فنحن أحوج ما نكون إلي ذلك اليوم قبل الغد. لتعويض الأضرار التي ألحقناها بأنفسنا وألحقها غيرنا بنا.
2 ــ ان يتم اخلاء كل شوارع مصر وميادينها من التظاهرات وآثارها.. إن الشعب مع مبارك.. والرأي العام العربي والعالمي ينحاز اليوم إليه بعد كل ما قدمه ووعد به من تغيير..
3 ــ أن يعود جيش مصر العظيم إلي ثكناته متفرغا لمهامه القومية في حماية ارض وحدود وسيادة مصر. بعد أن يطمئن علي أمنها الداخلي ويسلم مسئوليته لجهاز الشرطة لتعود الحياة إلي طبيعتها.
4 ــ أن نترك الفرصة للرئيس ولنائبه. وللحكومة الجديدة. بالتعاون مع الأحزاب والقوي السياسية التي تقبل دعوة الحوار الوطني. لوضع أجندة التغيير التي اعلنها الرئيس موضع التنفيذ. وفق جداول زمنية محددة. وتحت رقابة ومتابعة من كل الشعب.
5 ــ أن يكون لشباب مصر الوطني الذي حما نفسه. وحافظ علي منجزات بلده بالتعاون مع قواته المسلحة أو بقي في مواقع عمله ينتج ويعرق. دور ومكانة في أي ترتيبات جديدة.. فهو مستقبل مصر الذي أشرق من عتمة الليالي المظلمة.

__________________

دولة المؤسسات .. لا تحكمها المظاهرات 90926219ft1