المذبحة فى لقاء(الاهلى xالاسماعلى).......

المباراة مشتعلة قبل أن تبدأ ، فمنذ إعلان مجلس إدارة الإسماعيلى منذ عدة أسابيع عن انسحابه من البطولة وتلميحه وتبريره لسوء مستوى فريقه فى مبارياته الاخيرة بأن التحكيم واتحاد الكرة يرغبان فى إهداء البطولة لفريق ما ، والأجواء لا تبشر بالخير .. واكتملت الصورة القاتمة بانفعالات مديرى الكرة فى هذا الفريق وذاك ، ولم تسلم المباريات من سباب و إهانة لكل أطراف اللعبة حتى كانت الطامة الكبرى فيما حدث قبل نهاية مباراة الاتحاد السكندرى ووادى دجلة المؤجلة .. ولم يعِ اتحاد الكرة حجم الكارثة !
صباح يوم السبت ، تحركت جموع المشجعين من هنا وهناك ، فتلك المباراة قد تحسم بشكل كبير الصراع على اللقب بين الأهلى والزمالك خاصة مع ابتعاد الإسماعيلى تماما عن المنافسة ، وبات الأمر متعلقا بالحالة المتوترة دائما بين الأول والأخير سواء كانت مباراة مهمة أو حاسمة ، او حتى ودية !! .. وكأن كرة القدم المصرية قد وُجِدَت فقط من أجل هذا الصراع السخيف غير المبرر .
بدأت المباراة بدخلتى مشجعى الأولتراس من الجانبين ، حملت كلاهما تلميحا ما يدركه الطرفين جيدا لتشتعل المباراة منذ بدايتها ، رغم هدوءها داخل المستطيل الأخضر والتعامل الجيد جدا بين اللاعبين ، رغبة منهم جميعا فى مرور المباراة بسلام ... وظلت الجماهير خلف شاشات التليفزيون تستمع أحيانا إلى سباب جماعى أو يختفى صوت الملعب تماما طوال أغلب التسعين دقيقة ، فى ظاهرة باتت أسوأ من أى فترة سابقة !
الأهلى يسعى بكل قوته لقنص النقاط الثلاثة والتفوق لأول مرة على غريمه الزمالك الذى تعثر قبل عدة ساعات ، بينما يجاهد لاعبو الإسماعيلى بكل شرف مثل أى فريق محترم يدرك معنى التنافس الشريف والسعى للفوز حتى لو لم يمنحه لقبا ، فهكذا تلعب كرة القدم الحقيقية ...
ووسط سخونة تلك الأحداث ، كان هذا المشهد القريب ،
زمجرة وغضب شديدان من هذا الرجل ، وتوجه إلى من بجواره قائلا : ( مش دى بنالتى واضح لأبو جريشة ؟ مش أحمد السيد وقعه جوه المنطقة ؟ ) .. فابتسم الشاب المجاور له بهدوء قائلا : ( لأ ما أعتقدش ) ..
نظر إليه نظرة نارية قائلا : " هو الاخ أهلاوى ولا ايه ؟ " ... وارتعد الشاب ، قبل أن يجيب : " لأ ، أنا جيت معاكم فى الاوتوبيس ، أنا من الإسماعيلية ، وبحب الإسماعيلى جدا ، بس فعلا ما شفتهاش ضربة جزاء ! " .. فأجابه بخشونه : "لأ هى بنالتى ، ابقى بص كويس" .. وأشاح بوجهه بعنف ناحية الملعب .
المشكلة أن هذا الشاب عاشق للإسماعيلى وكرة القدم الجميلة ، لكنه أبدا لم يكره الأهلى أو أى فريق آخر ، علمه والده أن يحترم المنافس ويتقبل النتيجة أيا كانت ، فلم يُلقِ بورقة – وليس شمروخ أو زجاجة – فى ملعب لكرة القدم طوال حياته ، لم يسب منافسا قط .. ولم يفهم أبدا ما الذى يفعله هؤلاء فى كل مباراة من شغب وتعديات بلا أى معنى فى تلك اللعبة ..
فجأة ، وقبل نهاية المباراة بأقل من دقيقة ، أحرز "بركات" هدف الأهلى الاول ، ليشتعل الملعب تشجيعا وحماسا من جانب مدرجات مشجعى الاهلى ، مقابل غضب وصراخ فى المدرجات المقابلة ! ... وظلت الأجواء ملتهبة لعدة لحظات حتى شرع لاعبو الإسماعيلى فى تمرير الكرة محاولين معادلة النتيجة .. إلا أنه فجأة ، وبلا أى سابق إنذار ، اندفع عشرات – بل مئات – من المشجعين الغاضبين نحو الملعب ليركلوا كل ما ومن قابلهم فى الطريق ، وأصبح الملعب خلال لحظات ساحة معركة ...

نظر الشاب بذهول إلى داخل الملعب ، ووجد عدد كبير ممن كانوا حوله يندفعون بدورهم لاختراق السياج والدخول إلى أرضية الملعب ، حاول التصدى لبعضهم إلا أن لكمة قوية وجهها له الرجل الذى كان جالسا بجواره مندفعا هو الآخر نحو الملعب ، وأسقط فى يد الشاب حتى أن دموعه انهمرت على وجهه من المشاهد التى رآها ، فتحطيم الكراسى والمدرجات هذه المرة كان أهونا مما حدث داخل الملعب نفسه ..
تحطيم للمرمى وتمزيق الشباك بكل عنف ووحشية ، وبدأت الجماهير فى محاصرة بعض النجوم الكبار ، وشاهد بعضهم يتوجه ناحية بركات ، فصرخ مستنجدا بالله لإنقاذ اللاعب الذى يحبه ويعشقه منذ نعومة أظفاره ، وفجأة انشقت الأرض عن مجموعة كبيرة من جماهير الأهلى تندفع هى الأخرى نحو الملعب ، تدافع عن اللاعبين وتلتحم فى عراك كبير مع من سبقوهم فى النزول إلى أرضية الميدان .. وصارت لوحة سوداء دامية ترسم بأبشع الألوان صورة شيطانية لا يمكن أن تراها فى عالم عاقل أبدا !
حاول رجال الشرطة التصدى لكل هذا ، لكن هيهات ، فشل الجميع فى السيطرة على ما يحدث ، واضطر بعضهم إلى إطلاق النيران فى الهواء لإرهاب هؤلاء لعلهم يرتدعون أو يبتعدون ، لكن تطورت الأمور إلى الأسوأ ، بعد ظهور أسلحة بيضاء وعصى لتتفجر الدماء فوق الأرضية الخضراء ، ولم تعد تفرق بين هذا وذاك .. فالكل يسير نحو الهواية السحيقة ..
جرحى بالآلاف ، وقتلى بالعشرات .. حتى اضطر الجيش لإطلاق النيران وإصابة البعض لتتوقف تلك المعركة المجنونة بعد أن سحقت فى طريقها كل المبادئ والشرف والعقل والخلق ، وظل الشاب المسكين يبكى ويبكى على حال لعبته الحبيبة التى جمعت هذا الشعب كثيرا وصارت الآن وسيلة لتفريقه ، وبأبشع الصور !
عقب تلك الحادثة اللعينة ، تم إلغاء النشاط الرياضى كله لأجل غير مسمى ، وتوقفت اللعبة لعام وأكثر جراء هذه المذبحة البشعة ، وحتى عندما عادت البطولة بعد موسم كامل ، أقيمت مبارياتها بدون جمهور لفترة طويلة للغاية .. كانت أسوأ فترات اللعبة فى مصر .